فنان ثأئر من المكسيك "سيكيروس"
• بطاقته الشخصية ..

ولد " ألفارو سيكيروس" في شِيبُوَاربُووَار" بالمكسيك عام 1896. التحق في سن الخامسة عشرة باكاديمية الفنون الجميلة بمدينة ميكسكو (العاصمة)، وانضم إلى حركة " السيتسية التربوية" التي كانت لها شُهرة، وهدفها الاسمى: تحقيق فن اجتماعي حديث رفيع المستوى. والتحق مع بعض رفاقه سمة 1914 بصفوف الجيش الثوري بقيادة "إميليانو زاباتا" ضد نظام "فيكتوريانو هويرتا". وبعد أربع سنوات مُنح رتية كابتن.

في عام 1918 ، بعد انتهاء الثورة، اشترك في مؤتمر الفنانين – الجنود الأجارا، وشق طريقه في الحياة المدتية. وفي العام التالي حصل على منحة – كمكافأة لرتبة كابتن الثورية- للدراسة في أوروبا. فكانت المحطة الأولى : باريس، حيث اكتشف معالم الفن الحديث مع "سيزان" و "بيكاسو"، وتعرضف على فنان مكسيكي شاب سوف يصير له شأن كبير يدعى: "دييقو ريفيرا"(وهو فنان مكسيكس كبير 1957 -1886 اشتهر باللوحات الحائطية الضخمة البارعة يجمع أسلوبه الفني بين الرسم الحديث ورسوم ماقبل العصر الكولومبي.). وكان لالتقاء الفنانين الشابين تأثير مرحلي كبير على تكوينهما: فقد أعدا معا مشروعا فنيا " أثريا بطوليا" يُعتبر رويثا "للتراث العظيم السابق على العصر الاستعماري الكولومبي".

بهذه الروح، وفي تلك السنة (1919) أبحر سيكيروس وريفيرا إلى إيطاليا. والهدف : دراسة"الفِرِسك"، ودراسة أعمال "جيوتو" و"ميشيل أنجلو"، وتدعيم مهاراتهما الجمالية. وفي عام 1921 صدر باسمهما بيان (مانيفستو)- من صياغة سيكيروس وتفكيره- بعنوان: "نداء إلى الفنانين الأمريكيين"، وفيه طرح لأفكار وموضوعات لبعث فن تعبيري وتاريخي.

ثم رجعا إلى وطنهما في عام 1922. وهي السنة التي تُحدد مولد فن التصوير (الرسم) الحائطي في المكسيك. وانض إليهما بعض الفنانين الشبان في هذا الاتجاه، إلا أن سيكيروس كان الأكثر حماسا وإنجازا، ولم يسمح لشئ بإعاقته أو صَرفه عنه. وفي الوقت ذاته، كان إلى جانب الرسم منظما متوهجالحماس على المستوى السياسي والنقابي. فانتُخب في عام 1923 سكرتيرا عاما لنقابة المصورين (الرسامين) والنحاتين (المثَالين) والحفارين (الفنانين) المتربطة بالحركة الثورية. وفي الفترة بين عامي 1926 و1930 فرَغ نفسه تماما للعمل السياسي، ونظَم عددا كبيرا من الإضطرابات، واشترك في كثير من المؤتمرات الدولية. واعتاد دخول السجن والمعتقل. فكان لا مفر من لجوئه إلى المنفى سنة 1932.

في تلك الفترة العارضة من حياته، استطاع أن ينجز سلسلة من الأعمال الفنية الرائعة في كاليفورنيا (الولايات المتحدة)، وأورُوجواي، وفي الرجنتين. وتوافقت تلك الفترة أيضا مع بحوثه الدؤوبة في مجال الكشف عن مواد جديدة للتشكيل الفني ( رسم، نحت، زخرفة..). وظلت هذه مشغلة عنده، حتى بعد عودته إلى المكسيك سنة 1935، ثم صارت هي مشكلة أثارت جدلا عنيفا ساخنا بينه وبين ريفيرا. وأسس في تلك السنة بمدينة نيويورك " مركز الدراسات البحثية لاختبار الاحتمالات التيي تقدمها التقنيات والمواد الجديدة في مجال الرسم الحائطي". ولم يمض وقت طويل حتى ترك هذا كله، وارتحل إلى أسبانيا ليقاتل على مدى ثلاث سنوات إلى جانب الجمهوريين، وتولى قيادة عدد من الفصائل المختلفة.

فلما رجع سالما إلى المكسيك، أنجز في الفترة بين 1939 و 1960 أعظم التكوينات الحائطية في الغرب الأمريكي كله، وبعضها يشغل مساحة تبلغ عشرات المئات من الأمتار المربعة. وفي عام 1961 اُعيد القبض عليه مرة أخيرة ليقضي في السجن أربع سنوات بسبب أمور سياسية. وما إن أُطلق سراحه (1965) حتى أسرع لاستكمال نشاطه المحموم في عمل الرسومالحائطية (الفرسك). وفي العان التالي (1966) تسلم أرفع مكافأة رسمية في بلده: "الجائزة الوطنية في الفن". ثم كانت وفاته في عام 1974.

• الواقعية الشعبية والملحمية

كانت قفزة رائعة، أن يدير نَفَر من الشباب الفنانين المكسيكيين ظهورهم إلى الحركات والمذاهب الفنية التي انبثقت وانفجرت في أوروبا مع طلائع القرن العشرين، فأنقذوا أنفسهم من فِخَاخ فن يغلب عليه التحبز والتطلع والتعقيد، فضلا عن "البرمجة"، مثل ما كانت عليه واقعية القرن التاسع عشر. فعلوا بجرأة واعية ذلك، في وقت كان الجهد الفني فيه مُنصَباً- في أوروبا التي زارها بعضهم على البحث فقط عن حل لمشكلات تتعلق بالتكوين والتعبير.
في صميم المضار ولكن في غير المسار، توجهت تلك المجموعة من فناني المكسيك بعيدا عن مرمى الجانب الآخر من الأطلنطي، وعزلت نفسها عن أي اتصال فني بأوروبا إن كان يتعلق بما يضعه أو يخطط له نقاد الفن الحديث هناك . زكان سيكويروس مُنَظِرا أكثر منه مصورا، وأحد الأبطال الرواد لتلك الحركة، واستمر يحمل الشعلة باقتدار بعد وفاة "جوزيه أوروزو" سنة 1947، ثم وفاة "ريفيرا" سنة 1957.

إنه فنان يملك إدراكا حادا واعيا لجذوره التاريخية وأصوله البعيدة قبل عصر الاستعمار الدموي المستنزِف المذِل طوال قرون. فاستطاع ببصيرة نافذة ورؤية صافية أن يعبِر جماليا عن مآربه ومُبتَغاه، عن نظرياته وواقع يتحداه. وفي كل أعمال سيكيروس الفنية- الرائعة المتميزة لا تخفتي أبدا ولا تتوارى أو تخفُت تلك الأحاسيس الحميمة الوثيقة والعضوية أيضا بين الرسم المكسيكس والدوافع العميقة للثورة، ومن خلال الصلة المتينة بينهما كان ميلاد "المكسيك" الحديثة، وهذا وحده كان من أهم العوامل المفَجَرة والمنشَطة لإبداعاته المتتابعة.

وفي مواجهة كل الذين حاولوا تفسير فن التصوير (الرسم) المكسيكي الحديث على أنه ثمرة لظاهرة عرقية تبتعث ثقافات سابقة على العصر الكولومبي، وقف سيكيروس ليقول بوضوح : "إن فن التصوير المكسيكي الحديث تعبير عن الثورة الاجتماعية المكسيكية. وليس دقيقا ذلك الفكر الذي يُرجع هذا الفن (الحديث) إلى مصدر أساسي واحد هو ثقافة ماقبل التاريخ وماقبل استعمار المكسيك، إذ إن جواتيمالا، وهندوراس، والإكوادور، وبيرو، وبوليفيا تملك أيضا مورثات مماثلة وإن قَلَت أو كثُرت. وبدون الثورة ما كان يوجد فن مكسيكي حديث".

وفي واقع الأمر، يبدو أن ما فعله سيكيروس هو تحديد وتطوير لتجارب ومحاولات كثيرة من فناني القرن التاسع. ولقد أتاح له تجواله في ربوع بلده مع رَكب "بانشو فيللا" و "إميليانو زاباتا"، ان يهوَى المناظر لطبيعية، والآثار التاريخية المتداعية، والثقافة العريقة القديمة، فحدَثته نفسه بفكرة إحياء الماضي بمنظور الواقع الحاضر، وصراعه الملتهب. وفي الحق، إن كل لوحة، كل صورة، كل عمل فني من أعمال سيكيروس يحمل في داخله ومحتواه رمزا، ويحث المشاهد على التفكير قبل التقدير، على الإنصات للوحة والتحليل قبل الإعجاب والتهليل.

• عن اسلوبه الفني

كان سيكيروس يتخيل أو يتصور (الحيِز المكاني) خاصة في الأعمال الفنية المعمارية بإدراك واعٍ بالحركة والحيوية بالقوة النشطة الدافعة والمؤثرة، ويبدو ذلك بوضوح في الترابط الذكي السلس بين المستويات غير المتكافئة للسطوح المقعَرة والمحدبة في الحوائط والسقوف. واستعان في تحقيق ذلك بتراكب الأشكال او الشخوص بالتتابع من زوايا مختلفة، وبالانتقال من الشكل العام إلى الشكل المقرَب (تكبير الأجزاء أو التفاصيل) ، والتقطيع الفجائي (للشكل أو المنظر – ديكورباج). وهدفه من ذلك: انتزاع المُشاهد أولاً من حالة التراخي والسرحان او اللامبالاة، وتوجيه صدمة – بصرية جمالية لاستثارة مشاعره وحفزه إلى التفكير وإصدار الحُكم. ولا يجب إغفال أن رسومه كلها جاءت ثمار بحث وتدبير عقلاني عميق، رفيع المستوى. وفي داخل تكويناته الأكثر عقلانية وتعقيدا، كان يحلو لسيكيروس أن "يحرك" شخوصه بنفحة قوية ، وغالبا كونية.

والتعبير الذاتي عند سيكيروس التلقائي الصافي يعكس خبرة جمالية معاصرة ، أحسنت استيعاب واستثمار عناصر من الحركات والمذاهب الفنية التي واكبت أوائل القرن: كالتأثيرية، المستقبلية، والموضوعية الجديدة، والسوريالية. وفضلا عن ذلك، كان لسيكيروس تأثير مباشر على تطور وارتقاء الفن المعاصر، إذ يرى كثير من عناصر أسلوبه وجماليات اعماله في إبداعات الذين جاءوا من بعد وعلى المستوى العالمي حتى نهاية القرن.
ومن هنا يكون سيكيروس رائدا حقيقيا من رواد الفن الحديث.